يُعد الصوم من أعظم العبادات في الإسلام، إذ يجمع بين الطاعة الجسدية والروحية، مما يعزز التقوى والإخلاص لله تعالى. وتستند مشروعية الصوم إلى أدلة شرعية ثابتة في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو عبادة قديمة شُرعت للأمم السابقة قبل الإسلام. في هذا المقال، نستعرض الأسس الشرعية للصوم وأدلته، إضافة إلى مقاصده وأهميته في حياة المسلم.
أولًا: مشروعية الصوم في الإسلام
1. مشروعية الصوم في القرآن الكريم
وردت العديد من الآيات التي تبيّن فرضية الصوم، ومن أهمها قول الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة: 183).
توضح هذه الآية أن الصيام فُرض على المسلمين كما فُرض على الأمم السابقة، لتحقيق غاية التقوى.
كما جاء في آية أخرى بيانًا لفريضة الصيام في شهر رمضان:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة: 185).
وهذه الآية تؤكد أن الصوم فرض في شهر رمضان، وهو أحد أركان الإسلام.
2. مشروعية الصوم في السنة النبوية
ثبتت مشروعية الصوم في السنة النبوية، حيث قال النبي ﷺ:
"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا" (متفق عليه).
وفي الحديث، يتضح أن الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، وهو فرض على كل مسلم بالغ عاقل قادر.
ثانيًا: أنواع الصيام في الإسلام
يُقسم الصيام في الشريعة الإسلامية إلى عدة أنواع، منها:
-
الصيام المفروض
-
صيام رمضان: وهو فرض عين على كل مسلم مكلف.
-
صيام الكفارات: كصيام كفارة اليمين، وكفارة الجماع في نهار رمضان، وكفارة القتل الخطأ.
-
صيام النذر: فمن نذر أن يصوم يومًا معينًا وجب عليه الوفاء بنذره.
-
-
الصيام المستحب
-
صيام يومي الإثنين والخميس.
-
صيام الأيام البيض (13، 14، 15 من كل شهر هجري).
-
صيام يوم عرفة لغير الحاج.
-
صيام يوم عاشوراء مع يوم قبله أو بعده.
-
ثالثًا: مقاصد الصوم في الإسلام
يحقق الصيام العديد من المقاصد الشرعية، منها:
-
تحقيق التقوى: كما جاء في قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، فالصوم يعوّد المسلم على ضبط النفس.
-
تهذيب النفس: يساعد الصيام في تهذيب الأخلاق وكبح الشهوات.
-
الشعور بالفقراء والمحتاجين: إذ يُشعر الغني بمعاناة الفقير، فيزداد التكافل الاجتماعي.
-
تطهير الجسد من السموم: للصيام فوائد صحية عديدة، منها تحسين عملية الأيض وتقليل الدهون الضارة.
-
تقوية الإرادة والعزيمة: يدرّب المسلم على التحمل والانضباط، مما ينعكس على سلوكه اليومي.
رابعًا: شروط وجوب الصيام وأركانه
1. شروط وجوب الصيام:
-
الإسلام: فلا يجب الصيام على غير المسلمين.
-
البلوغ: الصغير غير مكلف بالصيام.
-
العقل: لا يجب الصيام على المجنون.
-
القدرة: لا يجب الصيام على المريض أو العاجز عن الصيام.
2. أركان الصيام:
-
النية: يجب تبييت النية للصيام من الليل.
-
الإمساك عن المفطرات: كالطعام والشراب والجماع من الفجر إلى المغرب.
خامسًا: الأعذار المبيحة للفطر
هناك أعذار شرعية تبيح الفطر في رمضان، منها:
-
المرض: إذا كان الصوم يُضر بالمريض أو يزيد مرضه.
-
السفر: يجوز للمسافر الفطر مع وجوب القضاء.
-
الحيض والنفاس: المرأة الحائض أو النفساء لا تصوم وتقضي الأيام لاحقًا.
-
الحمل والرضاعة: إذا خافت المرأة على نفسها أو جنينها يجوز لها الفطر.
خاتمة
الصوم عبادة عظيمة شرعها الله لتحقيق التقوى والتهذيب النفسي والجسدي، وهو ركن أساسي من أركان الإسلام. وقد جاءت الأدلة الشرعية من القرآن والسنة لتأكيد فرضيته، مع بيان شروطه ومقاصده. فالصائم يحظى بمغفرة الذنوب، ويدخل من باب الريان يوم القيامة، وهو طريق لتقوية الإيمان وتطهير النفس.